دخلت الدبلوماسية الجزائرية في دوامة من الأزمات الجيوسياسية، زاد من عزلتها على الساحة الدولية. وذهبت أجهزة استخبارات أوروبية، تتمركز في الجزائر، إلى القول إن “الدماغ الاستراتيجي الجزائري”، الذي تجسده الرئاسة، والأركان العامة للجيش الوطني الشعبي، وأجهزة المخابرات الخارجية والداخلية، أصيب بالشلل التام، بعدما ثبت ابتعاده عن المنطق في التحليل والتفسير، مشيرة إلى أن الأزمات التي راكمتها الجزائر، سواء مع المغرب أو إسبانيا أو فرنسا أو الإمارات العربية المتحدة وحتى مع النيجر ومالي، تؤكد أن نظام العسكر فقد بوصلته، بل أصبح يعيش في “عالم آخر”، لا علاقة له بالواقع.
واللافت للنظر في هذا الوضع هو “بطء رد فعل الجزائر وعزلتها المتزايدة”، كما جاء في مذكرة سرية لسفارة إحدى الدول الأوروبية الكبرى. فمن خلال رفضها القاطع التجاوب مع المطالب الفرنسية الأخيرة، يبدو أن الجزائر تغلق على نفسها الباب أمام الحلول العملية، مفضلة الحفاظ على موقف متصلب، دون فهم حقيقي لتطور العلاقات الدولية. “يبدو أن السلطات الجزائرية تتجاهل الديناميكيات الجيو-سياسية الحالية، حيث يتم إعادة تنظيم التحالفات والمصالح بسرعة فائقة”، كما جاء في المذكرة السرية نفسها.
غير التوترات لا تتوقف مع فرنسا. إذ تجد الجزائر نفسها في وضعية جهل تام بالتطورات الاستراتيجية في منطقة المغرب العربي والساحل، وخاصة مع المغرب ومالي والنيجر.
إن الحكومة الجزائرية على الرغم من دورها الرئيسي في الماضي، حسب المذكرة السرية، تبدو الآن منفصلة عن الحقائق الإقليمية، وتظل رهينة لرؤى قديمة تمنعها من فهم دقائق القضايا المعاصرة.
“هذه المفارقة، التي يعيشها بلد مركزي من حيث جغرافيته وهامشي بسبب دبلوماسيته الحالية، تؤثر سلبا على مستقبل الجزائر، وتدفعه إلى عزلة استراتيجية”، يقول سفير أوروبي عمل كثير في الجزائر، معتبرا “أن مواقف النظام الجزائري، سواء الاقتصادية أو الدبلوماسية، تخلق عداوات من دون مبررات واضحة، وبالتالي تعمل بمثابة كابح لتطوره ونفوذه الإقليمي”.
يسلط رفض الجزائر التعاون مع القوى الكبرى والجيران المباشرين الضوء على “أزمة قيادة حيث تبدو النظرة إلى العالم ضبابية، وحيث تبدو الإرادة لتحديث الدبلوماسية غائبة”، كما تؤكد المذكرة السرية. ويبدو أن البلاد وصلت إلى طريق مسدود، حيث أصبحت قراراتها أعباء على النظام والشعب، بدلا من أن تكون أدوات قوة.