يريد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن يبدأ زيارة دولة إلى فرنسا اعتبارا من أكتوبر المقبل. لكنه اختار موعدا رمزيا، ويخضع لمفاوضات مكثفة بين وزارتي الخارجية الجزائرية والفرنسية. يريد تبون أن يكون اليوم هو 17 أكتوبر 2024. وهو يوم تاريخي ورمزي في الذاكرة الجماعية الجزائري، لكن هذا المشروع الدبلوماسي ذا الأهمية الكبيرة لنظام تبون مهدد، ويمكن أن يتعرض للإلغاء في آخر لحظة، أمام احتمال صعود التيار اليميني المتطرف، الأكثر عدائية لمصالح الجزائر، إلى السلطة في فرنسا.
بيد أن تبون، الذي يبدو أكثر اقتناعا بضمان ولاية رئاسية ثانية، يعتقد أن الرئيس الفرنسي قد يبقى في منصبه، لذلك يحاول إقناع “صديقه” إيمانويل ماكرون بتنظيم حفل تكريمي لقتلى مجزة أكتوبر الشهيرة التي ذهب ضحيتها جزائريون يوم 17 أكتوبر 1961. ففي ذلك اليوم، وبدعوة من جبهة التحرير الوطني، تظاهر الجزائريون سلميا في باريس ضد فرض حظر التجول الذي قرره قائد شرطة باريس، موريس بابون. لكن تم قمع المظاهرة بعنف وقُتِل كثيرون، دون أن يتم تحديد عددهم بشكل رسمي.
في هذا العام (2024)، يريد النظام الجزائري أن ينتزع من باريس تسوية دبلوماسية ذات أهمية غير مسبوقة في العلاقات الفرنسية-الجزائرية. إذ يرى تبون، ومن يدفعه، أن من شأن هذه الخطوة الاستثنائية أن تسمح له بتقديم نفسه على أنه الرئيس الجزائري الأول والوحيد الذي حصل من فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، على اعتراف رسمي بجرائمها، فيما يمكن تشبيهه باعتذار رسمي مقدم إلى مستعمرتها السابقة.
غير أن هذا المشروع الدبلوماسي لم تتم الموافقة عليه رسميا بعد، ولم يعط قصر الإليزي الضوء الأخضر النهائي، حتى وإن أعرب ماكرون عن موافقته المبدئية، بينما داخل المؤسسات الفرنسية، لا يكاد هذا المشروع يثير الحماس بسبب تأثيره السياسي والإعلامي داخليا. بمعنى لا يستبعد أن تتبدد آمال تبون في الحصول على هذا “المجد” الذي يبحث عنه في باريس بسبب تهديد حزب التجمع الوطني، حركة مارين لوبين، التي قد يصبح أحد رفاقها وزيرا أول للحكومة الفرنسية في اليوم التالي من نتائج الجولة الأخيرة من الانتخابات التشريعية المبكرة، المقرر إجراؤها في 7 يوليوز الجاري. ذلك أن تبون وغيره من القادة الجزائريين يعرفون جيدًا أنه مع وجود وزير أول “يميني متطرف”، يمكن أن تصبح الزيارة التي “يحلم” بها الرئيس الجزائري إلى فرنسا في “خبر كان”، لأن اليمين المتطرف لا يشارك أجندة ماكرون الاستثمارية في الجزائر.
ربما تبون يريد، فقط، قبلة أخيرة من نظيره الفرنسي.