منذ صيف 2023، وضعت السلطات الجزائرية خطة سرية تهدف إلى ضمان الأمن الوطني للجزائر وحماية سلامتها الإقليمية من تداعيات القتال بين مختلف الجماعات المسلحة والقوات العسكرية المالية. وتتمثل هذه الخطة في إنشاء منطقة عازلة تمتد على طول حوالي 100 كلم على الحدود الجزائرية مع شمال مالي يبلغ طولها أكثر من 1300 كلم. وتفترض الخطة أن تقع هذه المنطقة العازلة في شمال مالي وأن تكون سلمية بالكامل، وهذا يعني استبعاد وجود أي قوة مسلحة مهما كان وضعها الشكلي أو المؤسسي.
وحسب مصادر “مغرب-أنتلجونس”، فإن الجزائر حاولت فرض هذه الخطة على السلطات الانتقالية المالية عبر مفاوضات شاقة وصعبة. لكن وعلى عكس كل التوقعات في الجزائر العاصمة، اعتبرت السلطات المالية المقترحات الجزائرية انتهاكا مباشرا للسيادة الوطنية لمالي. بل رأى أسيمي غويتا العسكري القوي في باماكو خطة الجزائر بمثابة إهانة لا توصف لبلاده، لأن العسكر الحاكم لا يفكر في أي خيار آخر سوى إعادة الاستيلاء المسلح على كامل الأراضي بفضل الدعم الكبير من القوات شبه العسكرية التي أرسلتها موسكو إلى باماكو.
ولم يعد أسياد باماكو يريدون الحديث عن أي عملية تفاوض مع أي جماعة مسلحة، سواء كانت إرهابية أو انفصالية من الطوارق. بالنسبة للجيش المالي، يعد الدعم العسكري الروسي، في الوقت الحالي، كافيا جدا لضمان استعادة النظام السيادي في جميع أنحاء شمال البلاد. ولذلك، فضلت باماكو ازدراء الجزائر والقطع نهائيا عن هذا الاعتماد السياسي والأمني على الجزائر الذي يشكل تقليدا سياسيا طويلا بين البلدين الحدوديين.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن رد الفعل المالي هذا فاجأ بشكل كبير القادة الجزائريين الذين لم يتوقعوا مثل هذه الطفرة السيادية من المجلس العسكري الحاكم في باماكو، في الوقت الذي قللوا من تقدير مدى التدخل الروسي اللوجستي والعسكري في الجارة الجنوبية. واعتبرت المصادر أن أخطاء النظام الجزائري في التقدير كلفته غاليا، حيث أصبح تنفيذ خطة مواجهة التهديدات القادمة من شمال مالي تدريجيا حلما بعيد المنال.