غادر الكاتب الفرنكوفوني الشهير، كمال داود، الذي يعد من ألمع كتاب جيله، بلاده الجزائر ليستقر في فرنسا، نهائيا، رفقة عائلته الصغيرة. ووفقا لمصادر مختلفة قريبة من محيط مؤلف رواية “Meursault, contre-enquête” الفائزة بجائزة گونكور لأول رواية، فإن كمال داود اتخذ قراره بعد ضغوط شديدة تعرض لها منذ صيف 2022.
علما أن داود حافظ، حتى 25 غشت 2023،على علاقات ممتازة مع النظام، إذ تم استقباله في بداية يونيو 2021 بالقصر الرئاسي بالمرادية، وتحدث حصريا مع الرئيس عبد المجيد تبون. لكن حياة داود انتقلت إلى بعد جديد في الجزائر منذ 26 غشت 2022 عندما بادر إلى دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى عشاء خاص وحميمي في مطعم فندق “ليبرتي” بوهران. لم يكن هذا العشاء من رحلة ماكرون إلى وهران والجزائر العاصمة مخططا له في البداية في جدول الأعمال الرسمي الذي تم التفاوض عليه بين الجزائر وباريس.
وتبعا لذلك، لم تخف السلطات الجزائرية غضبها، فيما شعر تبون بالإهانة. ثم لم تتأخر ردود الأفعال، إذ اضطر فندق ليبرتي، في 13 شتنبر 2022، إلى إغلاق أبوابه بأمر من ولاية وهران. كما تم إغلاق ثلاثة فنادق أخرى في المدينة ذاتها، وكلها تابعة للمجموعة التي يملكها رجل الأعمال محمد عفان. وعزت ولاية وهران قرار الإغلاق “لأسباب فنية” مرتبطة بمتطلبات النظافة وغياب بعض معايير السلامة. لكن في الحقيقة، كان ذلك انتقاما بسيطا من صاحب الفندق الذي سمح لكمال داود باستضافة ماكرون على مائدة العشاء، دون استشارة أو أخذ الإذن من سلطات بلاده العليا.
ومنذئذ، فقد الكاتب الجزائري، الفائز أيضا بجائزة فرانسوا مورياك، وجائزة القارات الخمس للفرانكوفونية، اتصالاته داخل نظام تبون. والأسوأ من ذلك، أن الأجهزة الأمنية مارست ضغوطا على داود للمطالبة بتوضيحات وتقارير مفصلة عن لقائه الشخصي مع ماكرون. وفيما حاول الكاتب إدارة هذه الضغوط، إلا أن الأجواء أصبحت بعد ذلك لا تطاق بالنسبة للرجل.
كما أن داود، المعروف بكتاباته الساخرة، تعرض أخيرا لحملة ممنهجة من طرف الصحافة التابعة للنظام، على خلفية مقال وصف فيه الحالة الجزائرية بالقول: “ليس ثمة مخرج: الله أمامنا وفرنسا وراءنا. الربيع العربي على اليسار والعشرية السوداء على اليمين”.
ثم توالت الهجمات، غداة نشره مقالا بمجلة “لوبوان” الفرنسية تحت عنوان “هزيمة القضية الفلسطينية”، يصف فيها هجوم حركة “حماس” الأخير على إسرائيل بأنه “معاداة وكره لليهود”. ومما جاء في المقال: “ماذا بقي اليوم من القضية الفلسطينية التي هزت شباب ما يسمى بالعالم العربي لمدة قرن تقريبا؟ صور الغارات التي تشنها كتائب حماس في إسرائيل لا تقدم نصرا، كما يهتف العالم العربي، بل هزيمة مدوية… أشرطة الفيديو هذه التي تظهر مدنيين مقيدين، ونساء مختطفات، وأطفال مسجونين، وكبار السن يتجولون مثل غنائم الحرب، يتم الترحيب بها الآن في الشارع العربي، ليس كحلقة من حلقات إنهاء الاستعمار، ولكن لتأكيد ولادة مسيحانية معادية لليهود”.
وذهبت بعض الصحف إلى حد اتهام داود بأنه “لم يعد يحتفظ من جزائريته سوى باسمه”، بعدما “تجرد من قيم شعبه، وأعطى الولاء للدولة الفرنسية على حساب ولائه للجزائر”…
الأكيد أن كل ما سبق هو من دفع داود إلى اتخاذ قرار مغادرة بلاده بدون تذكرة عودة.