ماذا يجري في قناة France24 “فرانس 24″؟ يبدو أن المعلومات التي كشفتها بعض الصحف المغربية بشأن “موجة من الإقالات وسط صفوف الصحافيين المغاربة العاملين في القناة الفرنسية العمومية وفي راديو مونتي كارلو الدولية” قد تأكدت.
وتفيد مصادر متطابقة أن التلفزيون العام الفرنسي، الموجه للخارج، فصل رئيسي تحرير اثنين من أصل مغربي، دون أي سبب معقول. ويقال إن صحافيين مغاربة آخرين ينتظرون دورهم، بمن فيهم مدير راديو مونتي كارلو الدولية، الذي يعتبر أفضل مغربي في المجموعة الفرنسية، التي تضم “فرانس 24” وراديو فرنسا الدولية وراديو مونتي كارلو الدولية. تبرر إدارة المجموعة، بشكل غير رسمي، هذه القرارات على أسس اقتصادية. غير أنه من الصعب تصديق هذه الحجة، لأن المعنيين فقط، حتى الآن، هم صحافيون مغاربة يحتلون مناصب رئيسية في المجموعة، في الوقت الذي تتحدث نفس المصادر عن تأثير متزايد للجزائريين على هذه الوسائط التي يمولها دافع الضرائب الفرنسي.
حملة “تطهير حقيقية” ضد المغاربة!
بحسب مصادرنا، يبدو أن المديرة الحالية لـ”فرانس 24″، فانيسا بورغراف، لا تحمل ودا للمغاربة. البعض يتساءل ساخرا عما إذا كانت وزيرة التربية الوطنية السابقة نجاة فالو بلقاسم، ذات الأصول المغربية، لها علاقة بالموضوع؟ في الواقع، اشتهرت فانيسا بورغراف بمرورها الفوضوي في برنامج لوران روكيي “On n’est pas couche” على القناة ذاتها، ولن تنسى أبدا كيف قامت ردت بلقاسم الوزيرة السابقة في حكومة مانويل فالس على عهد فرانسوا هولاند، بسخرية بالغة على بورغراف التي تحدثت عن “إصلاح في اللغة الفرنسية” معتمدة على إشاعات وعلى أخبار خاطئة لا وجود لها.
وما يزال مقطع الفيديو، الذي وثق تلك المواجهة، ينتشر على الشبكات الاجتماعية ويجعل الملايين من مستخدمي الإنترنت يضحكون. وبعيدا عن “الأخبار الكاذبة”، هناك معلومة واحدة مؤكدة: منذ تعيين فانيسا بورغراف على رأس فرانس 24 في عام 2021، شعر الصحافيون الجزائريون في المجموعة بأنهم باتوا محميين. والبعض لا يتردد في الحديث عن سطو جزائري للقناة العمومية الفرنسية. لقد سيطروا عليها حقا، وأطلقوا حملة “تطهير حقيقية” ضد المغاربة!
في أصل هذه الحملة، هناك أجيرة جزائرية شهدت صعودا غريبا داخل فرانس 24. إذ انتقلت بأعجوبة من منصب مساعدة إلى منصب رئيسة تحرير، دون أن تمارس الصحافة في حياتها، لا في الميدان ولا على المكتب. إنها غير قادرة حتى على كتابة خبر صغير، لا باللغة العربية ولا باللغة الفرنسية. ومع ذلك، لديها صفتان “مهنيتان”: صلاتها بالخارج وقربها من فانيسا بورغراف. يطلق عليهما “الشقراوتان”، الحقيقية والمزيفة. إنهما لا تنفصلان، لدرجة أن التكهنات منتشرة حول “سر” هذه العلاقة الاندماجية بين بنت الجزائري وبنت الألزاس!
“كلب الأجهزة الجزائرية” و”حمالة الحطب”
بالإضافة إلى ذلك، الشقراء المزيفة لها رفيق جزائري، يعمل أيضا في فرانس 24. شخصية ملتبسة، يشغل وظيفة وهمية في القناة، مع مكتب في الطابق الثالث حيث يقضي وقته في استقبال الناس وتنقيح “خططه”. علاقة الثنائي بالأجهزة الجزائرية أصبحت الآن سرا مكشوفا. إليكم ما كتبه عنهم صحافي سابق من أصل جزائري في فرانس 24، وقت الحراك الذي هز البلاد، بعد اعتقال الجنرال بشير طرطاق، الزعيم القوي لدائرة الاستعلام والأمن آنذاك: “بضع سنوات قبل ذلك، كنت أعمل في قناة تلفزيونية دولية وكان هناك جزائري “نذل”، أحد كلاب المخابرات، يهدد مع زوجته “حمالة الحطب” زملاءهما الجزائريين بوضع ملفاتهم على مكتب طرطاق. هذه الليلة، أشفق عليهم: مع من ستهدد، من الآن فصاعدا، زملاءك من الأوغاد؟”.
“كلب الأجهزة” هذا، كما يسميه زميله السابق، لا يخفي حتى قناعه، لأنه يعمل في نفس الوقت مستشارا لمسجد باريس، وهو مؤسسة مشهورة بقربها من الأجهزة الجزائرية. يتساءل الكثير من الناس كيف يمكن أن يكون المرء صحافيا فيما يسمى بالقناة العلمانية وفي نفس الوقت “مكونا للأئمة في مسجد باريس”؟! كما يظهر اسمه على أنه “منتج تحريري” في برنامج “La nuit du ramadan” (ليلة رمضان)، الذي يُذاع كل عام على فرانس 24، خلال الشهر الكريم، بمبادرة من جمعية مثيرة للجدل تسمى «Vivre l’Islam» (عاش الإسلام).
من الغريب أن كل هذه الأنشطة المشبوهة لا تشكل أي مشكلة لإدارة القناة الحكومية الفرنسية، التي لم تتردد، علاوة على ذلك، في استدعاء رئيسة تحرير مغربية بحجة أنها أنتجت فيلما وثائقيا لوسائل إعلام أخرى. وبحسب معلوماتنا، فإن دائرة الموارد البشرية تعد ملف فصل ضد هذا الصحافية، على أساس ما تعتبره “تضارب مصالح”. وزنان بمكيالين!
لا إزعاج لـ”الكابرانات”
خلال زيارة إيمانويل ماكرون لمسجد باريس في نونبر الماضي، بدا “كلب الأجهزة الجزائرية” فخورا بالظهور بجانبه، وهو يلعب دور المرشد. صورته بجانب رئيس الجمهورية ترمز إلى سيطرة الجزائريين على هذه الوسائط الفرنسية الموجهة للخارج. يجب أن نتذكر أن ماكرون لم يتوقف عن إغواء حكام الجزائر العاصمة، منذ عدة أشهر، دون تحقيق النتائج المتوقعة. فقد أرجأ عبد المجيد تبون زيارته المخططة إلى باريس مرة أخرى، مفضلا الذهاب إلى موسكو. دفعت أزمة الطاقة، التي سببتها الحرب في أوكرانيا، والنكسة التي عانت منها فرنسا في منطقة الساحل، ماكرون إلى إلقاء نفسه في أحضان “الكابرانات”.
الآن، تفعل باريس كل شيء لإرضاء هذا الشريك الذي لا يمكن توقع ما يمكن أن يفعل، على حساب علاقتها مع المغرب، حليفها التقليدي. في الوقت الذي يحذر قسم كبير من الطبقة السياسية الفرنسية من العواقب الوخيمة لهذه السياسة، مؤكدين أن باريس ستنتهي بخسارة المغرب دون أن تفوز بالجزائر!
في غضون ذلك، تواصل وسائل الإعلام، التابعة لوزارة الخارجية الفرنسية، مواءمة سياسة الرئيس من خلال دفع الجزائريين إلى مناصب رئيسية في القناة. ألم يكن ماكرون نفسه هو الذي دعا إلى “الاستخدام الأفضل لشبكة France Media World، وهو أمر أساسي للغاية، ويجب أن يكون مصدر قوة لنا”، خلال خطابه في مؤتمر السفراء في شتنبر 2022؟ لكن هذا لا يمنعه من الاستمرار في إعطائنا دروسا في استقلالية الإعلام!
كما أن هذا لم يمنع إدارة فرانس 24، التي تدعي الاستقلالية والحياد، من استقبال الرسالة الرئاسية بشكل جيد، وأصبحت القناة شبه نسخة طبق الأصل من “الشروق” أو “النهار” الجزائريتين. لا ينبغي بث أي شيء قد يزعج الكابرانات. هذا ما يبرر إلغاء برمجة آخر حلقة مع المعارضة أميرة بوراوي، بعد بث واحدة منها، قبل أن يتم حذفها نهائيا من موقع France24 حتى لا تغضب موردي الغاز!
أوقات عصيبة تنتظر المغاربة
في هذا السياق، انتقل جزائريو France24 إلى السرعة القصوى: طرد أكبر عدد ممكن من المغاربة ووضع مواطنيهم في أماكنهم. وبحسب آخر الأخبار، سيتم استبدال رئيسي التحرير المغاربة المفصولين بشخصين جزائريين. ملف رئيس التحرير المغربي الثالث موجود على مكتب تنمية الموارد البشرية. وكاتب عمود مغربي في مرمى نظر الإدارة، وكذلك نقابي من أصل مغربي في لجنة التداول. دون أن ننسى المغربية التي يدير راديو (مونتي كارلو الدولية)…
في هذه الأثناء، يقوم “كلب الأجهزة” و”حمالة الحطب” بسحب الخيوط وترقية مواطنيهما، بالتواطؤ مع فانيسا بورغراف. حتى إنهم تمكنوا من إرسال صحافي جزائري من باريس إلى إسطنبول ليصبح مراسل القناة في تركيا، دون فتح المنصب للترشيح وفق ما ينص عليه القانون. كما حل صحافي جزائري محل أحد المحررين المغاربة المفصولين، وهذا الصحافي معروف أيضا بصلاته بالأجهزة الجزائرية، لكنه ضروري لمديرة France24. إذ ينظم “حفلة” شهرية في الخارج حيث يلتقي مسؤولو الإدارة مع “العشيرة الجزائرية” لصقل “الخط التحريري” المؤيد لـ”الكابرانات”.
الأكيد، الآن، أن هناك أوقات عصيبة تنتظر الصحافيين المغاربة في France24. واضح أنهم يدفعون ثمن الأزمة بين باريس والرباط!