عندما التقط النعم ميارة، رئيس مجلس المستشارين، هاتفه للرد على مكالمة زعيمه نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، كان يعلم أنه يجب أن يظل بعيدا عن الأضواء وأن يحني رأسه للعاصفة التي “استفزتها” تصريحاته المفاجئة حول سبتة ومليلية.
على الهاتف، تقول مصادر “مغرب-أنتلجونس”، استمع رئيس الغرفة الثانية بتخشع إلى احتجاج أمينه العام الذي وبخه على “انحرافه” الأخير، مطالبا إياه بالإدلاء بتصريح صحافي، وأملى عليه مفردات اللغة التي يجب أن يستخدمها. غير أن ميارة، الذي اختار صحيفة “الأخبار” اليومية، قدم تفسيرا غير دقيق بنفي تصريحاته السابقة حول “تحرير سبتة ومليلية” من الاحتلال الإسباني. كما لو أن الرجل يكذب نفسه، أو أن من أدلى بتلك التصريحات ليس ميارة، بل النعم الآخر الذي يسكنه.
غير أن هذا الهروب إلى الأمام لرئيس مجلس المستشارين لم يُرْضِ القصر الملكي، ولم يُؤَدِ إلى تهدئة الإسبان. “يمكن أن نتحدث عن نقص في الخبرة السياسية والدراية الدبلوماسية لشخص يُفترض أن يتحلى بصفات أحد كبارات رجال الدولة”، يقول قيادي في حزب الاستقلال.
ووفقا لموقع (goud.ma)، فإن “انحراف ميارة عن الطريق” أثار غضبة كبيرة داخل القصر الملكي، في الوقت الذي تعيش الرباط ومدريد شهر عسل مثاليا منذ شهور بفضل الجهود المبذولة على الجانبين، والتفاهم الجيد بين الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز حول خارطة الطريق الجديدة بين المملكتين.
في غضون ذلك، قرر نزار بركة، بصفته زعيم حزب الاستقلال الأول والوحيد، أن يلعب دور رجل إطفاء بنفسه من أجل إخماد النار التي أشعلتها التصريحات “الصبيانية” للنعم ميارة.
وحسب موقع (goud.ma)، فإن بركة ذكَّر مناضلي حزبه، خلال اجتماع اللجنة التنفيذية، بأن مواقف حزب الاستقلال من إسبانيا تتماهى بالكامل مع مواقف القصر الملكي. كما لم تفته الإشارة إلى أن تصريحات ميارة لا تهدده وحده، بل تهدد “الاستقلال” بأكمله. فيما ذكَّر مصدر استقلالي بـ”المتاعب” التي خلقتها تصريحات حميد شباط، الأمين العام السابق، حول موريتانيا، وما أثارته من غضب داخل القصر الملكي، والتي كلفته في النهاية فقدان قيادة الحزب لصالح بركة، قبل أن يطاله النسيان.
يبدو، في الأفق، أن نفس المصير ينتظر ميارة، الذي ما يزال يحتفظ بمنصبه ككاتب عام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب، أي أنه يصر على وضع قدم في الدولة وأخرى في النقابة، مجسدا “حالة التنافي” في أبرز تجلياتها.