حبلت الرسالة الطويلة، التي تلاها وزير الخارجية رمطان لعمامرة معلنا قطع العلاقات مع المغرب، بالكثير من المبررات “السريالية” كما وصفها المؤرخ الفرنسي المتخصص في منطقة المغرب العربي بيار فرمران.
لعمامرة قدم جردا تاريخيا، بدأ مع تأسيس الدولة الجزائرية يوم 5 يوليوز 1962، لينسج حكايات من وحي خياله أو خيال من أملى عليه ذلك عن “الأعمال غير الودية والعدائية والدنيئة ضد بلده” منذ 1963 عندما شنت المملكة “حرب أشقاء” ضد الجزائر.
لكن لعمامرة نسي أو تجاهل عمدا الدعم الذي قدمه المغرب لـ”الأشقاء” في الجزائر، أولا لنيل استقلالها، ثم المساهمة في تأسيس دولة ترى النور لأول مرة، بعدما خضعت طويلا للحكم العثماني، ثم لاستعمار فرنسي دام 132 عاما.
كما أن لعمامرة لم يذكر الأسباب الحقيقية التي أدت إلى حرب الرمال. ولأنه استعان بتاريخهم المزور، يجب تذكيره بأن مشكلة الحدود بدأت في عام 1950، عندما اقتطعت فرنسا منطقتي تندوف وبشار، وضمتها إلى “الجزائر الفرنسية”، وهما المنطقتان التي طالبت المملكة باسترجاعهما بعد استقلالها في عام 1956. ولم ترد باريس على المطالب المغربية إلا في العام الموالي، ودعت إلى مفاوضات لحل المشاكل الحدودية، غير أن محمد الخامس رد بأن تلك المشاكل ستحل مع الجزائريين بعد انسحاب فرنسا.
وفي 6 يوليوز 1961، أقر فرحات عباس، رئيس الحكومة المؤقتة الجزائرية، بوجود مشكل حدودي عالق بين بلاده والمغرب، ووقع على اتفاق في الرباط ينص على ضرورة بدء المفاوضات لحله غداة استقلال الجزائر.
في غضون ذلك، استمر المغرب في دعم الثورة الجزائرية بالمال والسلاح، إلى حين استقلال البلاد، غير أن نكران الجميل سرعان ما سيعبر عنه أحمد بن بلة، أول رئيس للجزائر، حين اعتبر ما سماه بـ”التراب الجزائري” جزءا لا يتجزأ.
بعدئذ، زار الملك الحسن الثاني الجزائر، يوم 13 مارس 1963، مذكرا بن بلة بالاتفاق الموقع مع فرحات عباس. لكن بلة احتج بضرورة استكمال بناء مؤسسات الدولة، وطلب تأجيل مناقشة الحدود.
وفي الوقت الذي كان ينتظر المغرب الرد الجزائري، هاجمت عناصر من جيشها، يوم 8 أكتوبر 1963، بلدة حاسي بيضا، وقتلت 10 أفراد من القوات المسلحة الملكية.
بادر الحسن الثاني إلى إرسال وفد رسمي إلى الجزائر للاحتجاج، والمطالبة بتقديم تفسيرات، غير أن الوفد عاد بدون جواب، ليرد المغرب بشن حرب، حقق فيها نصرا سريعا، وكانت القوات المسلحة الملكية، التي قادها الكولونيل إدريس بنعمر، على وشك اكتساح مناطق واسعة من التراب الجزائري، قبل أن يأمره الملك الحسن الثاني بالانسحاب، بناء على وساطات من جامعة الدول العربية ومنظمة الاتحاد الإفريقي.
ما تزال آثار الهزيمة تلك الحرب تشكل وصمة عار في جبين العسكريين الجزائريين الذين خاضوها، والذين يتحكم بعضهم، الآن، في دواليب النظام.