في ظل غياب وسائل الإعلام الموثوقة التي يمكن أن توفر لها منصة للدفاع عن أجنداتها، فإن بعض دوائر السلطة الجزائرية قررت العودة لأساليب قديمة، خاصة في ظل عجز قنوات التلفزيون التي تفتقر إلى المصداقية عن إقناع المتابعين بما تريد اللوبيات الجزائرية ترويجه.
هذه اللوبيات لجأت إلى مدونات بعض وسائل الإعلام الفرنسية المعروفة والمرموقة لنشر المعلومات الأكثر إثارة للجدل والأكثر تضليلا. لسوء الحظ، فإن وسائل الإعلام الفرنسية تروج لأطروحات جماعات الضغط المقربة من الحكومة الجزائرية. على منصة Mediapart الفرنسية الشهيرة، من الممكن فتح المدونات والتعبير بحرية عن وجهات النظر بخصوص ما يجري في الجزائر. وقد اتضح أن عمليات التحقق من صحة المعلومات المنشورة على هذه المدونات لا تتم كما يجب، إذ أن فريق Mediapart المسؤول عن الإشراف على محتوى هذه المدونات أبان عن عجزه عن إدارة والتحقق من المحتوى المنشور يوميا على مختلف المدونات المستضافة.
فشل فريق هذه المنصة تم استغلاله إلى أقصى حد من قبل المتلاعبين الذين جندتهم بعض المكونات السياسية في السلطة الجزائرية. والدليل على ذلك هو أن Mediapart تستضيف العديد من المدونات الجزائرية المشبوهة.
لسوء الحظ، ينشر جزء كبير من هذه المدونات نظريات المؤامرة أو المعلومات التي لا أساس لها من الصحة أو الأطروحات التي تشوه الحراك ورموزه. على سبيل المثال، يقوم ألبرت فرحات، وهو صحفي جزائري-لبناني، بانتظام بنشر مقالات على مدونة في Mediapart، هدفها جعل الجمهور الجزائري والدولي يعتقد أن Mediapart تتبنى أطروحات السلطة الجزائرية.
ألبير فرحات هو زوج روزا فرحات، وهي طبيبة أسنان، زبائنها من أهم مكونات السلطات الجزائرية. بنادي الصنوبر ومنطقة حيدرة الراقية، تهتم السيدة فرحات بزوجات وعائلات القادة الجزائريين. لكن قبل عام 2013، لم يكن ألبرت فرحات مرحبا به في الجزائر ومنعته أجهزة المخابرات الجزائرية من البقاء في البلاد بسبب مواقفه المشكوك فيها للغاية مع بعض الجهات السياسية الفاعلة في الشرق الأوسط. وكان على الجنرال عبد الغني هامل، الرئيس السابق لمديرية الأمن الوطني الجزائري، المحتجز الآن في السجن، التدخل للسماح له بالعودة إلى الجزائر العاصمة. منذ ذلك اليوم، أقسم فرحات على الطاعة المطلقة للنظام الجزائري، بل وذهب أبعد من ذلك، إذ بات يروج معطيات لا أساس لها من الصحة حول المعارضين الجزائريين المنفيين في باريس.
نشر ألبرت فرحات مقالة تشهيرية تتعلق بالناشط سعيد بن سديرة، وصفه فيها بأنه “حمار”، وكال له العديد من الاتهامات، خاصة بعدما صدرت في حق هذا الناشط اللاجئ بلندن مذكرة توقيف دولية من قبل النظام الجزائري بسبب ما كشف عنه من معلومات خطيرة حول عمليات عدد من مكونات المؤسسة العسكرية الجزائرية. المحتوى المذكور نشر دون أن يتدخل فريق Mediapart، رغم أن يشتهر بالدفاع عن أخلاقيات مهنية معينة في مجال الصحافة.
الأسوأ من ذلك، أن ألبرت فرحات نفسه نشر على مدونته ما وصفه بمعلومات حصرية تشير إلى أن الرئيس التنفيذي السابق لشركة سوناطراك عبد المؤمن ولد قدور قد تم تجنيده من قبل العملاق الأمريكي إكسون موبيل، وهي معلومات غريبة وكاذبة “تضحك” القراء.
في أعقاب وفاة قايد صالح، نشر صحفي مقرب من بعض الجنرالات الجزائريين الذين طردهم رئيس الأركان السابق في الجيش الجزائري، مقالا على مدونة Mediapart تشرح اغتيال قايد صالح، وهو المقال الذي أثار سخط الجزائريين. قام Mediapart بحذف هذه المقالة لاحقا لكن بعد فوات الأوان.
صاحب هذا المقال وألبرت وغيرهما من المتلاعبين بالرأي العام والمروجين لنظريات المؤامرة ينشرون ويكررون نشر معلومات حول “اغتيال” قايد صالح، وهي منشورات هدفها الوحيد هو صرف الرأي العام الجزائري ومنعه من التركيز على مشاكل بلدهم الحقيقية.
وقد قام العديد من الصحفيين والناشطين الجزائريين بالتواصل مع فريق تحرير Mediapart لتنبيههم إلى هذه الانتهاكات التي لا تليق بمنصة التدوين الخاصة بهم، لكن حتى الآن لم يتم التفاعل معهم كما ينبغي.